وذكر بعض القصص ممن مات وهو يكتب الحديث، ومثل هذه الحالات لا نقول: إن كل الأولياء يعيشونها، لكن هي حق، أو قد تثبت في حق البعض، أي: أنه تهوَّن عليه سكرات الموت، ويلقى الله تبارك وتعالى في حالة يتعجب الناس كيف لقي الله بها؟! حتى من المعاصرين -والحمد لله- ممن نظنهم ونحسبهم ولا نزكيهم على الله، فيقبض روحه وهو ساجد، وهو جالس يقرأ القرآن، إنه شيء عجيب جداً، مع أن بعض الناس يتحرك ويستمر، بل ربما ساعات أو أياماً وهو في حالة كرب شديد، وهذا من كرامة الله تبارك وتعالى، وتكريمه لبعض أوليائه، فالمقصود من هذا كله: أننا ننظر إلى هذه الكرامة التي جعلها الله تبارك وتعالى لعبده المؤمن، وهي في قوله: (
وما ترددت في شيءٍ أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، هو يكره الموت وأنا أكره مساءته ) وأن نأخذ العبرة من هذا، بأن نجتهد في طاعة الله تبارك وتعالى، ونجتهد لننال ولاية الله عز وجل التي من ثمراتها هذا الأمر، وإلا فالموت كما قال الشاعر:
ولو أنا إذا متنا تركنـا لكان الموت راحة كل حي فأكثر الناس في الدنيا معذبين، حتى أهل المال والملك والمناصب والجاه، فلو كان الموت نهاية الأمر لكان راحة، قال الشاعر:
ولكنا إذا متنا بعثنا ونسأل بعدها عن كل شيء. فالمشكلة ما بعد الموت، وإن كان أكثر الناس يخاف من الموت فقط؛ لما فيه من انقطاع الملذات، ولا ينظر إلى ما بعده، ولا يخاف من الحساب الذي بعده، لذا فالواجب علينا أن ندرك هذه الحقيقة، وأن نعلم جميعاً أن الموت حق، وأن نعلم جميعاً أننا سنموت لا كما يعتقد أكثر الخلق أن الحياة مجرد انتهاء دنيا، ولكن هذا أول منازل الآخرة، أي: أن القبر أول منازل الآخرة، وهناك السؤال عن هذا العمر كما في الحديث: (
لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به )، فلابد من أن نجعل هذه الحياة -كما جعلها الله تبارك وتعالى- دار متاع وممر، فنأخذ من ممرنا لمقرنا، ونجتهد لطاعة الله سبحانه وتعالى، ونجعل من ذكرى الموت حافزاً ودافعاً لنا على الخير، وعلى الجهاد في سبيل الله، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى قول كلمة الحق، لا كما يقول
الصوفية وغيرها، بل لابد أن نجعل الموت حافزاً لنا، وما دام أن الموت بيد الله فلماذا نخاف من غير الله؟ ((
وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ))[الزمر:36].